فصل: الشاهد الثامن والثمانون بعد الخمسمائة(br)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد الثالث والثمانون بعد الخمسمائة

وهو من شواهد سيبويه‏:‏ الرجز

قد شربت إلا الدهيدهين *** قليصاتٍ وأبيكرينا

على أن جمع مصغر دهداه وجمع مصغر بكر على ما في البيت‏.‏ شاذٌّ‏.‏

أنشد سيبويه هذا الرجز، وقال‏:‏ والدهداه‏:‏ حاشية الإبل، فكأنه حقر دهاده فرده إلى الواحد وهو دهداه، وأدخل الياء والنون كما تدخل في أرضين وسنين، وذلك حيث اضطر في الكلام إلى أن يدخل ياء التصغير‏.‏

وأما أبيكرينا فإنه جمع الأبكر، ولكنه أدخل الياء والنون كما أدخلها على الدهيدهين‏.‏ انتهى‏.‏

وقد تقدم عن أبي علي في البيت قبله ما يتعلق به‏.‏

وقال ابن جني في إعراب الحماسة‏:‏ وأما أبيكرين فقد يمكن على قول سيبويه أن يقال إن واحدها أبكر، بفتح العين في هذا الموضع‏.‏

ألا ترى أنك لم تسمع العين في هذا البيت مفتوحة ولا مضمومة‏.‏ فإن قلت‏:‏ فقد سمعت في غير هذا الموضع أبكر بضم العين‏؟‏ قيل‏:‏ أجل قد سمع هذا بضم عينه، وغير منكر أن يكون الخروج عن الواحد مرةً إلى جمع مكسر، وأخرى إلى اسم للجمع مفرد غير مكسر‏.‏

ألا تراهم قالوا‏:‏ رجل ورجال فكسروه، ثم قالوا رجلة فصاغوا للجمع اسماً مفرداً‏.‏ وكذلك الجمال والأجمال، هذا مع قولهم الجامل‏.‏

فكذلك لا ينكر أن يكون أبكر بضم العين جمعاً مكسراً، ويكون واحد أبيكرين المكبر أبكر بفتح العين وإن لم يسمع مكبراً، لكن يدل عليه ما انحرف عند سيبويه من اعتقاد جمع أمرين لمعنًى واحد‏.‏ وهذا واضحٌ‏.‏

وكذلك ينبغي أن يقال في قول الآخر‏:‏ الرجز

أشكو إلى مولاي من مولاتي *** تربط بالحبل أكيرعاتي

وذلك أن الألف والتاء موضوعان للقلة وضع الواو والنون لها‏.‏ فلا يحسن أن يكون الواحد المكبر من أكيرعات أكرعة ولا أكرعاً بضم العين لأنهما مثالاً قلة‏.‏ فعلى قياس قوله في أبينون ما يجب أن يقال في الواحد المكبر من أكيرعات إنه أكرع‏.‏ على وزن أفعل بفتح العين، الأعمى والأروى‏.‏ انتهى‏.‏

وقال في سر الصناعة أيضاً، عند سرد ما جمع بالواو والنون من كل مؤنث معنوي كأرض، ومؤنث بالتاء محذوف اللام كثبة، ما نصه‏:‏ فإن قلت‏:‏ فما بالهم قالوا‏:‏

قد رويت إلا الدهيدهينا إلخ

فجمعوا تصغير دهداهٍ، وهو الحاشية من الإبل، وأبيكراً وهو جمع بكر، بالواو والنون، وليسا من جنس ما ذكرت‏؟‏ فالجواب‏:‏ أن أبكراً جمع بكر، وكل جمع فتأنيثه سائغٌ مستمر، لأنه جماعةٌ في المعنى‏.‏

وكأنه قد كان ينبغي أن يكون في أبكر وأكلب وأعبد هاء‏.‏ فيكون تقديرها أكلبة وأبكرة وأعبدة، كما قالوا في غير هذا‏:‏ فحالةٌ‏:‏ جمع فحل، وذكارة‏:‏ جمع ذكر‏.‏

فكما جاز أن تأتي الهاء في هذه المجموع كذلك جاز أيضاً أن تقدر في أبكر الهاء، فيصير كأنه أبكرة‏.‏

وقد جاءت الهاء في أفعلٍ نفسها‏.‏

قال‏:‏ الطويل

بأجريةٍ بقعٍ عظام رؤوسه *** لهن إذا حركن في البطن أزمل

فهذا جمع جرو‏.‏ وأجريةً أفعلة‏.‏ فألحق الهاء في أفعل‏.‏

ويدلك على أنه أراد أفعل قول الآخر‏:‏ مجزوء الكامل

وتجر مجريةٌ له *** لحمي إلى أجرٍ حواشب

وجاز أن تجمع فعلاً على أفعل، وأفعلة، وأفعل، لفعلٍ مفتوحة الفاء، من حيث كان فعل وفعل ثلاثيين ساكني العينين، وقد اعتقبا أيضاً على المعنى الواحد، نحو‏:‏ حج وحج، وفص وفصٍّ، ونفط ونفط‏.‏

وإذا ثبت أن أفعل من أمثلة الجموع، ويجوز في الاستعمال والقياس تأنيثه‏.‏ لم ينكر أن يعتقد في أن أبكراً قد كان ينبغي أن يكون فيها هاء تأنيث الجماعة، فصار إذن جمعهم إياها بالواو والنون في قوله‏:‏ أبيكرونا إنما هو عوض من الهاء المقدرة في أبكر، فجرى ذلك مجرى أرض في جمعهم إياها بالواو والنون في قولهم‏:‏ أرضون‏.‏

فأما دهيدهينا فإن واحده دهداه، وهو القطعة من حاشية الإبل، فهو نظير الصرمة والهجمة، فكأن الهاء فيها لتأنيث الفرقة والقطعة، كما أن الهاء في عصبة وطائفة لتأنيث الجماعة، فكأنه كان في التقدير‏:‏ دهداهة، فلما حذفت الهاء فصار دهداهاً جمع تصغيره بالواو والنون تعويضاً من الهاء المقدرة‏.‏

قال أبو علي‏:‏ وحسن أيضاً جمعه بالواو والنون أنه قد حذفت ألف دهداه في التحقير، ولو جاء على أصله لقيل‏:‏ دهيديه بوزن صلصال وصليصيلٍ، فواحد دهيدهينا، إنما هو دهيده، وقد حذفت الألف من مكبره فكان ذلك أيضاً مسهلاً للواو والنون، وداعياً إلى التعويض بهما‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

وهذا مخالفٌ لكلامه السابق تبعاً لأبي علي وغيره، من أن أبيكرينا جمع أبكر بفتح الكاف‏.‏

وإليه ذهب يوسف بن السيرافي في شرح شواهد الغريب المصنف، قال‏:‏ أبيكرينا جمع أبيكر، وأبيكر تصغير أبكر، وأبكر جمع بكر، وهو في الإبل بمنزلة الشاب في الناس‏.‏ وهذه العلامة لا تكون إلا لجمع المذكر العاقل في الكلام، وربما أدخلها الشاعر إذا احتاج‏.‏ وتدخل على كثير من الأسماء النواقص‏.‏

والبيتان من رجز أورده أبو عبيدٍ القاسم بن سلام في الغريب المصنف، قال الحاشية صغار الإبل، والدهداه مثل ذلك‏.‏

قال الراجز‏:‏ الرجز

يا وهب فابدأ ببني أبين *** ثمت ثن ببني أخينا

وجيرة البيت المجاورين *** قد رويت إلا الدهيدهينا

إلا ثلاثين وأربعين *** قليصاتٍ وأبيكرينا

قال ابن السيرافي‏:‏ نصب الدهيدهينا على الاستثناء‏.‏

وقوله‏:‏ إلا ثلاثين بدلٌ من الدهيدهينا‏.‏ وقليصات بدل من ثلاثين‏.‏ انتهى‏.‏

وجعله قليصات بدلاً من البدل جائز مشهور، ولم يجعله بدلاً من الدهيدهينا، لأنه لم يعرف تعدد البدل في غير بدل البداء، كما قاله أبو حيان وابن هشام في بحث إذ من المغني‏.‏

وكذا أعرب شيخنا ياسين الحمصي قول ابن مالك أول الألفية‏:‏

أحمد ربي الله خير مالك

فجعل خير بدلاً من الجلالة، لا من الرب قال‏:‏ وأما دعوى الدماميني الجواز، أخذاً من كلام ابن الحاجب في الأمالي فاشتباه، لأن ابن الحاجب قال في الكلام على آية غافر‏:‏ الأحسن أن ذي الطول بدل ثان من المبدل الأول‏.‏ فقال الدماميني‏:‏ فيه دليل بينٌ على جواز تعدد المبدل منه‏.‏ انتهى‏.‏

وابن الحاجب لم يقل من المبدل منه، بل قال من المبدل، يعني البدل‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ يا وهب هو اسم راعٍ يسقي الإبل‏.‏ وأبينا وأخينا كلاهما جمع أب وأخ‏.‏ وقليصات، بكسر الياء المشددة جمع مصغر قلوص، وهي الناقة الشابة‏.‏

وقد روى بدل شربت‏:‏ رويت، ونهلت‏.‏

وهذا الرجز مع كثرة الاستشهاد به لم يعرف قائله‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الرابع والثمانون بعد الخمسمائة

الطويل

ولي دونكم أهلون سيدٌ عملسٌ *** وأرقط زهلولٌ وعرفاء جيأل

على أن أهلاً وإن كان غير علم لمذكر عاقل ولا صفةً له، لكنه جمعه هذا الجمع لتنزيله هذه الوحوش الثلاثة، منزلة الأهل الحقيقي‏.‏ وكذلك ما بعده‏:‏ وهو‏:‏

هم الأهل لا مستودع السر ذائعٌ *** لديهم ولا الجاني بما جر يخذل

وقبلهما‏:‏

لعمرك ما بالأرض ضيقٌ على امرىءٍ *** سرى راغب وراهباً وهو يعقل

والأبيات من قصيدة الشنفرى المشهورة بلامية العرب، وقد تقدم شرح أبياتٍ منها‏.‏

وقوله‏:‏ لعمرك إلخ، اللام لام الابتداء للتأكيد‏.‏ وعمرك، بفتح العين مبتدأ مضاف إلى الكاف، وخبره محذوف تقديره‏:‏ قسمي‏.‏ والعمر‏:‏ بضم العين وفتحها‏:‏ مدة الحياة، خص المفتوح القسم‏.‏

وقوله‏:‏ ما بالأرض، ما‏:‏ نافية، وبالأرض‏:‏ خبر مقدم‏.‏ وضيق‏:‏ مبتدأٌ مؤخر، والجملة جواب القسم‏.‏

وجملة‏:‏ سرى إلخ، صفة لامرىء‏.‏ وراغباً‏:‏ حال من ضمير سرى، وجملة‏:‏ وهو يعقل حال ثانية‏.‏

يعني‏:‏ أن من فارق أهله، وسافر رغبةً في أمر يطلبه، وخوفاً من شيء يجتنبه، يرى سعةً في حاله، إن كان ممن يعقل، فإنه يدبر نفسه بعقله، ولا يضيع في الغربة‏.‏

وقوله‏:‏ ولي دونكم أهلون إلخ، التفات من الغيبة إلى الخطاب، خاطب به أهله‏.‏

وأهلون‏:‏ مبتدأ، ودونكم‏:‏ ظرف كان في الأصل صفة لأهلون فلما قدم عليه صار حالاً منه‏.‏ ودون هنا‏:‏ بمعنى غير، ولي‏:‏ خبر مقدم لأهلون‏.‏

وقوله‏:‏ سيدٌ عملس خبر لمبتدأ محذوف، أي‏:‏ هم سيد وأرقط وعرفاء‏.‏ يقول‏:‏ اتخذت هذه الوحوش أهلاً بدلاً منكم، لأنها تحميني من الأعداء، ولا تخذلني في حالة الضيق‏.‏

وهذا تعريضٌ بعشيرته، في أنهم لا حماية لهم كهذه الحيوانات، ولا غيرة لهم على من جاورهم فضلاً عن الحميم القريب، مثل هذه الوحوش‏.‏

والسيد، بكسر السين المهملة‏:‏ مشترك بين الأسد والذئب، ومراده الثاني، ولهذا عينه بالوصف‏.‏ وكذلك فعل بأرقط وعرفاء‏.‏

والعملس، بفتح العين المهملة والميم واللام المشددة، القوي على السير السريع‏.‏

وأرقط‏:‏ ما فيه نقط بياضٍ وسواد، مشترك بين حيوانات، منها النمر والحية‏.‏ وأراد الأول، ولهذا وصفه بزهلول بضم الزاي، وهو الأملس، وقيل‏:‏ الخفيف وهو من أوصاف النمر‏.‏

والعرفاء‏:‏ مؤنث الأعراف‏.‏ قال صاحب العباب‏:‏ يقال للضبع عرفاء لكثرة شعر رقبتها‏.‏ وأنشد هذا البيت‏.‏

وقال الخطيب التبريزي في شرح القصيدة‏:‏ العرفاء‏:‏ الضبع التي تكون طويلة العرف، ليست ها هنا بنعت، ولكنها في الأصل نعت، فغلب فصار بمنزلة الأسماء غير النعوت حتى إنه يقال‏:‏ جاءتكم العرفاء فيفهم من هذا القول أن الضبع جاءت‏.‏ وجيأل، بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية بعدها همزة مفتوحة، بدل من عرفاء‏.‏

قال صاحب العباب‏:‏ جيأل على وزن فيعل‏:‏ اسمٌ للضبع، وهي معرفة بلا ألف ولام‏.‏ وأنشد هذا البيت‏.‏

وقوله‏:‏ هم الأهل إلخ، لما نزل هذه الوحوش منزلة الأهل ذكرهم بضمير العقلاء، وعرف الخبر لإفادة الحصر، أي‏:‏ هم الأهل لا غيرهم‏.‏

وبين وجهه بقوله‏:‏ لا مستودع السر إلخ، يعني‏:‏ أن السر المستودع عندهم غير ذائع بل مصون‏.‏

ولا الجاني بما جر يخذل عندهم، بل يحمي‏.‏ والجاني‏:‏ الذي فعل جناية من قتل ونهب ونحوهما‏.‏ وجر، أي فعل جريرة بفتح الجيم، وهي التبعة والذنب‏.‏ ويخذل‏:‏ يترك نصره، يقال‏:‏ خذلته وخذلت عنه من باب قتل، والاسم الخذلان، إذا تركت نصره وإعانته وتأخرت عنه‏.‏

وقد تقدمت ترجمة الشنفرى، وهو شاعرٌ لصٌّ جاهلي، في الشاهد السادس والعشرين بعد المائتين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الوافر

ولكني أريد به الذوينا

تقدم شرحه مفصلاً في الشاهد السادس عشر من أوائل الكتاب‏.‏

وأراد بالذوين ملوك اليمن‏.‏ كذي نواسٍ، وذي رعين، وذي أصبح‏.‏

وهو عجزٌ، وصدره‏:‏

فلا أعني بذلك أسفليكم

والمشار إليه بذلك، هو الهجو‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الخامس والثمانون بعد الخمسمائة

الطويل

ذراني من نجدٍ فإن سنينه *** لعبن بنا شيباً وشيبننا مردا

على أن نون الجمع الذي جاء على خلاف القياس، قد يجعل معتقب الإعراب، أي‏:‏ محل تعاقبه‏.‏ أي‏:‏ تجري عليها الحركات واحداً بعد واحدٍ، ولا تحذف للإضافة كما في قوله‏:‏ سنينه‏.‏ فالنون لما جرى عليها الإعراب، لم تحذف مع إضافة الكلمة إلى ضمير نجد‏.‏

وفي كلامه شيئان‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه غير خاصٍّ بالضرورة‏.‏

والثاني‏:‏ أنه لا يجوز هذا فيما حقه هذا الجمع‏.‏

والأول موافقٌ لكلام أبي علي في إيضاح الشعر دون الثاني‏.‏ قال في باب ما جعلت فيه النون المفتوحة اللاحقة بعد الواو والياء في الجمع حرف إعراب، بعد أن أنشد جميع الأبيات الآتية‏.‏

اعلم أن هذه النون إذا جعلت حرف الإعراب، صارت ثابتة في الكلمة فلم تحذف في الإضافة، كما لا تحذف نون فرسن ورعشن ونحوه وإن كانت زائدة، ويكون حرف اللين قبلها الياء ولا يكون الواو، لأن الواو تدل على إعراب بعينه، فلم يجز ثباتها من حيث لم يجز ثبات إعرابين في الكلمة‏.‏

فأما من أجاز ثبات الواو في هذا الضرب من الجمع وزعم أن ذلك يجوز فيه قياساً على قولهم‏:‏ زيتون، فقوله‏:‏ بعيد من جهة القياس، مع أنا لا نعلمه جاء في شيء منهم‏.‏

وذلك أن هذه الواو لم تكن قط إعراباً كما في مسلمون‏.‏ وعلى ما ذهب إليه جاء التنزيل‏:‏ في عليين‏.‏ انتهى‏.‏

وما ذهب إليه الشارح المحقق هو ظاهر كلام الفراء عند تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين جعلوا القرآن عضين‏}‏‏.‏

قال‏:‏ العضون في كلام العرب‏:‏ السحر‏.‏ ويقال‏:‏ عضوه، أي‏:‏ فرقوه، كما تعضى الشاة والجزور، وواحد العضون عضة، ورفعها عضون، ونصبها وخفضها عضين‏.‏

ومن العرب من يجعلها بالياء على كل حالٍ ويعرب نونها، فيقال هذه عضينك ومررت بعضينك وسنينك‏.‏

وهي كثيرةٌ في أسد وتميم وعامر، أنشدني بعضهم من بني عامر‏:‏

ذراني من نجدٍ فإن سنينه ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

ثم قال بعد أبيات مثلها‏:‏ وإنما جاز ذلك في هذا المنقوص الذي كان على ثلاثة أحرف فنقصت لامه، فلما جمعوه بالنون، وتوهموا أنه فعول إذ جاءت الواو وهي واو جمع، فوقعت في موقع الناقص، فتوهموا أنها الواو الأصلية وأن الحرف على فعول‏.‏

ألا ترى أنهم لا يقولون ذلك في الصالحين والمسلمين وما أشبهه‏.‏ وما كان من حرف نقص من أوله، مثل زنة ودية ولدة، فإنه لا يقاس على هذا‏.‏ فما كان منه مؤنث ومذكراً فاجره على التمام مثل الصالحين‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

وكذلك قال ابن الشجري في أماليه قال‏:‏ ومنهم من جعل النون في جمع سنة حرف الإعراب، وألزمها صأالياء وأثبت النون في الإضافة‏.‏ ورفعها وخفضها ونونها، تشبيهاً لها بنون غسلين، فقالوا‏:‏ أقمت عنده سنيناً، وعجبت من سنين زيد، وأعجبتني سنينك‏.‏ وأنشد البيت‏.‏

وهذا مخالف لصنيع ابن جني في سر الصناعة فإنه خصه بالضرورة وجوزه في الجمع الحقيقي‏.‏

وتبعه ابن عصفور في كتاب الضرائر قال‏:‏ ومن العرب من يجعل الإعراب في النون من جمع المذكر السالم‏.‏

وذلك كله لا يحفظ إلا في الشعر، نحو قول الفرزدق‏:‏ البسيط

ما سد حيٌّ ولا ميت مسدهم *** إلا الخلائف من بعد النبيين

وقوله‏:‏ البسيط

وإن أتم ثمانيناً رأيت له *** شخصاً ضئيلاً وكل السمع والبصر

وقوله‏:‏ الوافر

وأن لنا أبا حسنٍ علي *** أبٌ برٌّ ونحن له بنين

وقوله‏:‏ الوافر

وماذا يدري الشعراء مني ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

ووجه ذلك إجراء جمع السلامة وما يجري مجراه مجرى المفرد، ولذلك ثبتت النون في حال الإضافة، كقوله‏:‏ الكامل

ولقد ولدت بنين صدقٍ سادةً *** ولأنت بعد الله كنت السيدا

وقول الآخر‏:‏ الوافر

سنيني كلها لاقيت حرب *** أعد مع الصلادمة الذكور

وقوله‏:‏

ذراني من نجدٍ فإن سنينه ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

انتهى‏.‏

ومن إعراب الجمع بالحركة قول الشاعر‏:‏ الخفيف

رب حيٍّ عرندس ذي طلالٍ *** لا يزالون ضاربين القباب

فضاربين منصوبٌ بالفتحة على أنه خبر يزالون، وهو مضاف للقباب‏.‏ والحي‏:‏ القبيلة‏.‏

والعرندس، كسفرجل‏:‏ الشديد‏.‏ والطلال، بفتح المهملة‏:‏ الحالة الحسنة، والهيئة الجميلة‏.‏

ومثله قول الزمخشري في المفصل‏:‏ وقد يجعل إعراب ما يجمع بالواو والنون في النون، وأكثر ما يجيء ذلك في الشعر، ويلزم الياء إذ ذلك، قالوا‏:‏ أتت عليه سنين‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

دعاني من نجدٍ فإن سنينه ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

وقال سحيم‏:‏

وماذا تدري الشعراء مني ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

انتهى‏.‏

قال شارحه ابن يعيش‏:‏ اعلم أن من العرب من يجعل إعراب هذا الجمع في النون، بشرط أن يلحقه نقصٌ كسنين‏.‏

والشيخ قد أطلق هنا، والحق ما ذكرته‏.‏ انتهى‏.‏

والبيت من قصيدة للصمة بن عبد الله القشيري، وبعده‏:‏ الطويل

لحا الله نجداً كيف يترك ذا الندى *** بخيلاً وحر الناس تحسبه عبدا

على أن نجداً قد كساني حلةً *** إذا ما رآني جاهلٌ ظنني عبدا

سواداً وأخلاقاً من الصوف بعدم *** أراني بنجدٍ ناعماً لابساً بردا

على أنه قد كان للعين قرةً *** وللبيض والفتيان منزله حمدا

سقى الله نجداً من ربيعٍ وصيفٍ *** وجودٍ وتسكابٍ سقى مزنه نجدا

قال ابن هشام في شرح الشواهد‏:‏ وكان من خبره، أي‏:‏ الصمة، أنه خطب ابنة عمه، فاشتط عمه في المهر عليه، وبخل عليه أبوه بالجمال، فزوجت من غيره، فغضب من عمه وأبيه، وخرج إلى طبرستان، وهي مقر الديلم، فأقام بها مدة حياته إلى أن مات فيها‏.‏ فلهذا تارةً يحن إلى نجد، وتارة يذمه‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ ذراني من نجد ويروى أيضاً‏:‏ دعاني من نجد وهما بمعنى، أي‏:‏ اتركاني من ذكر نجدٍ‏.‏ ونجد من بلاد العرب، وهو خلاف الغور، والغور هو تهامة‏.‏ وكل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد‏.‏ وهو مذكر‏.‏ كذا في الصحاح‏.‏

والسنين‏:‏ جمع سنة، وهي هنا إما بمعنى العام، وإما بمعنى القحط‏.‏ ويقال‏:‏ أرض بني فلان سنة، إذا كانت مجدبة‏.‏

وشيباً حال من نا في بنا، وهو بالكسر جمع أشيب، وهو الذي ابيض شعره‏.‏ ومردا‏:‏ حالٌ أيضاً من نا في شيبننا، وهو جمع أمرد وهو الذي لا شعر بعارضيه‏.‏

وقوله‏:‏ لحا الله نجداً إلخ، في الصحاح لحاه الله، أي‏:‏ قبحه ولعنه‏.‏ والندى‏:‏ الجود‏.‏

وروى بدله‏:‏ الغنى، وحر‏:‏ معطوف على ذا الندى، وجملة‏:‏ تحسبه في موضع المفعول الثاني‏.‏ وهذا البيت تعريضٌ بأبيه وعمه‏.‏

ونقل ابن المستوفي عن ثعلب، أن المراد من هذا البيت أن عيش نجدٍ عيشٌ شديد، لا بد أن يقوم بالمال فيه وإلا ضاع‏.‏

ونقل عن ابن الأعرابي أيضاً أنه ذم نجداً لشتائه وقيظه‏.‏ وهذا إنما يصح مع قطع النظر عن سبب الشعر‏.‏ ونقل أيضاً عن أبي زيد البيتين المذكورين، وأنه قال‏:‏ ذم نجداً لشدة شتائه وقيظه‏.‏

ولم أر في ديوان أبي زيد إلا البيت الشاهد غير مشروح بهذا الشرح، ونقله أبو علي عن أبي زيد في التذكرة القصرية ثم قال‏:‏ قال ابن الهيصم، هذا الشيخ الكوفي الذي يجلس إلى أبي حاتم، قال‏:‏ أنشدني أعرابيٌّ بالشام هذا البيت وقبله بيتاً آخر، وهو‏:‏

لحا الله نجداً كيف يترك ذا الغنى *** فقيراً وحر القوم تحسبه عبدا

وهذا إنشاد طريف‏.‏ وسمعت أيضاً هذا البيت بقصر ابن هبيرة من أعرابي‏.‏ انتهى‏.‏

وكأنه لم يقف على هذه القصيدة ولا على شيء من خبرها‏.‏

وقوله‏:‏ على أن نجداً إلخ، على هنا للاستدراك والإضراب، وكذلك على الآتية‏.‏ يريد أنه لما تغرب وفارق نجداً افتقر، ولبس الثياب الأخلاق السود من الصوف‏.‏ وناعماً‏:‏ متنعماً مترفهاً‏.‏

وقوله‏:‏ وللبيض والفتيان الجار والمجرور خبر مقدم، ومنزله‏:‏ مبتدأ مؤخر، وهو مضاف لضمير نجد‏.‏

والبيض‏:‏ النساء الحسان‏.‏ والفتيان‏:‏ جمع الفتى، وهو الشاب‏.‏ والحمد هنا بمعنى المحمود‏.‏ وهذا تشوق منه إلى وطنه وتحزن على مفارقته منه‏.‏

ثم دعا له على طريقة العرب بقوله‏:‏ سقى الله نجداً، وقوله‏:‏ من ربيع، أي‏:‏ من مطر ربيع، وجود معطوف عليه، وهو بفتح الجيم‏:‏ المطر الغزير‏.‏ والمزن‏:‏ السحاب‏.‏

والصمة شاعرٌ إسلامي في الدولة المروانية، وهو بدوي، ولجده مرة بن هبيرة صحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وتقدم الكلام عليه وعلى نسبه في الشاهد الخامس والستين بعد المائة‏.‏

وذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف، فقال‏:‏ هو الصمة بن عبد الله إلى آخر نسبه، ثم أورد له ثلاثة أبيات من شعره، وأورد صمتين من الشعراء لبني جشم‏:‏ أحدهما‏:‏ صمة الأكبر، وهو مالك بن الحارث‏.‏

وثانيهما‏:‏ صمة الأصغر، وهو معاوية بن الحارث، أخو مالك بن الحارث الصمة الأكبر‏.‏ وهذا الأصغر هو أبو دريد بن الصمة، وكلاهما شاعرٌ فارسٌ جاهلي‏.‏

والصمة بالكسر للصاد المهملة وتشديد الميم‏.‏

وقد أورد ابن الأعرابي في نوادره البيت الشاهد فقط، ونسبه إلى محجن بن مزاحم الغنوي‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السادس والثمانون بعد الخمسمائة

الوافر

وماذا يدري الشعراء مني *** وقد جاوزت حد الأربعين

لما تقدم قبله من أنه معرب بالحركة على النون‏.‏

قال المبرد في الكامل عند قول الفرزدق‏:‏ المنسرح

إني لباكٍ على ابني يوسفٍ جزع *** ومثل فقدهما للدين يبكيني

ما سد حيٌّ ولا ميتٌ مسدهم *** إلا الخلائف من بعد النبيين

وابنا يوسف هما محمد أخو الحجاج السفاك، ومحمد ابنه، فإنه جاءه نعي أخيه يوم مات ابنه‏.‏

قال‏:‏ أما قوله‏:‏ من بعد النبين فخفض هذه النون وهي نون الجمع، وإنما فعل ذلك، لأنه جعل الإعراب فيها لا فيما قبلها، وجعل هذا الجمع كسائر الجمع، نحو‏:‏ أفلس ومساجد وكلاب، فإن إعراب هذا كإعراب الواحد‏.‏

وإنما جاز ذلك لأن الجمع يكون على أبنيةٍ شتى، وإنما يلحق منه منهاج التثنية ما كان على حد التثنية، لا يكسر الواحد عن بنائه، وإلا فلا، فإن الجمع كالواحد لاختلاف معانيه، كما تختلف معاني الواحد، والتثنية ليست كذلك، لأنها ضرب واحد لا يكون اثنان أكثر من اثنين عدداً، كما يكون الجمع أكثر من الجمع‏.‏

فمما جاء على هذا المذهب قولهم‏:‏ هذه سنينٌ فاعلم، وهذه عشرينٌ فاعلم‏.‏

قال العدواني‏:‏ البسيط

إني أبيٌّ أبيٌّ ذو محافظةٍ *** وابن أبيٍّ أبيٍّ من أبيين

وأنتم معشر زيدٌ على مائةٍ *** فأجمعوا كيدكم كلا فكيدوني

وقال سحيم بن وثيل‏:‏

وماذا يدري الشعراء مني *** وقد جاوزت رأس الأربعين

أخو خمسين مجتمعٌ أشدي *** ونجذني مداورة الشؤون

وفي كتاب الله عز وجل‏:‏ ‏{‏إلا من غسلين‏}‏‏.‏ فإن قال قائل‏:‏ فإن غسلين واحد‏.‏

فجوابه أن كل ما كان على بناء الجمع من الواحد فإعرابه إعراب الجمع‏.‏ ألا ترى أن عشرين ليس لها واحدٌ من لفظها، فإعرابها كإعراب مسلمين، وواحدهم مسلم‏.‏ وكذلك جميع الإعراب‏.‏

ويقولون‏:‏ هذه فلسطون يا فتى، ورأيت فلسطين يا فتى، وهذا القول الأجود‏.‏ وكذلك‏:‏ يبرين وفي الرفع‏:‏ يبرون يا فتى‏.‏ وكل ما أشبه هذا فهو بمنزلته، تقول‏:‏ هذه قنسرون، ورأيت قنسرين‏.‏

والأجود في هذا البيت‏:‏ المتقارب

وشاهدنا الجل والياسمو *** ن والمسمعات بقصابها

وفي القرآن ما يصدق ذلك، قول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين‏.‏ وما أدراك ما عليون‏}‏‏.‏ انتهى‏.‏

وذهب ابن جني إلى أن تلك الكسرة للضرورة، والإعراب إنما هو بالياء‏.‏ قال في سر الصناعة‏:‏ فأما قول سحيم بن وثيل‏:‏

وقد جاوزت حد الأربعين‏.‏

فليست النون حرف إعراب، ولا الكسرة فيها علامة جر الاسم، وإنما هي حركة التقاء الساكنين، وهما الياء والنون، وكسرت على أصل حركة التقاء الساكنين، ولم يفتح كما يفتح نون الجمع، لأن الشاعر اضطر إلى ذلك، لئلا تختلف حركة الروي في سائر الأبيات‏.‏

ويدلك على أن الحركة التي هي الكسرة ليست جراً قول الشاعر‏:‏

وابن أبيٍّ أبيٍّ من أبيين

فأبيون جمع أبي، مثل ظريفون من ظريف‏.‏

فكما لا شك أن كسر نون أبيين إنما هي لالتقاء الساكنين، لأنه جمع تصحيح، فكذلك ينبغي أن تكون كسرة نون الأربعين‏.‏

وكذلك قول الفرزدق‏:‏

إلا الخلائف من بعد النبيين

وهذا أيضاً جمع نبي على الصحة لا محالة، فكسرة نون الجمع في هذه الأشياء ضرورة، وأجريت في ذلك مجرى نون التثنية‏.‏ انتهى‏.‏

وكذلك قال في إعراب الحماسة، عند قول الشاعر‏:‏ البسيط

أقول لما أرى كعباً ولحيته *** لا بارك الله في بضعٍ وستين

من السنين تملاها بلا حسب *** ولا حياءٍ ولا عقلٍ ولا دين

قال‏:‏ كان أبو العباس يذهب في قول سحيم‏:‏

وقد جاوزت حد الأربعين

إلى أن أخرجه على أصل التقاء الساكنين، وهو الكسرة ضرورة‏.‏

ويؤكد ذلك ها هنا أيضاً قوله بعده‏:‏ من السنين فجاء بمن المرادة في جميع التفاسير من أحد عشر إلى تسعة وتسعين‏.‏

ألا ترى أن أصل حركة عشرين درهماً إنما هو عشرون من الدراهم، فمجيئه بالتمييز على أصله يؤنسك بأن كسر نون السنين من قبلها، هو أيضاً خروجٌ فيها عن الأصل، غير أن النون في السنين الثانية مفتوح على الاستعمال، ولم يضطر إلى كسرها، كما يضطر في القافية قبلها‏.‏ انتهى‏.‏

وأراد بأبي العباس المبرد، وقد نقلنا كلامه، وليس فيه ما نقله عنه، وكلامه بعده غير واضح‏.‏ انتهى أيضاً فتأمله‏.‏

وسحيم بن وثيل شاعرٌ إسلامي، تقدمت ترجمته في الشاهد الثامن والثلاثين من أوائل الكتاب، مع شرح عدة أبياتٍ من هذه القصيدة‏.‏

وهذا البيت قبل البيتين اللذين أوردهما المبرد‏:‏

عذرت البزل إن هي خاطرتني *** فما بالي وبال ابني لبون

البزل‏:‏ جمع بازل، وهو المسن من الإبل‏.‏ وضربه مثلاً‏.‏ يقول‏:‏ عذرت المسان من الشعراء إذا تعرضوا لي وهاجوني، فكيف بغلامين حديثين‏؟‏‏!‏ يعني الأبيرد والأخوص، وكانا تعرضا له‏.‏

وقوله‏:‏ وماذا يدري الشعراء إلخ، يدري بالدال المهملة، يقال‏:‏ ادراه يدريه، إذا ختله وخدعه‏.‏

يقول‏:‏ كيف يطمع الشعراء في خديعتي، وقد جاوزت أربعين سنة، وقاربت الخمسين، وقد اجتمع أشدي، وجربت، وعرفت الخديعة والمكر، فلا يتم علي شيءٌ‏.‏

والشؤون‏:‏ جمع شأن‏.‏ ومداورتها‏:‏ التقلب فيها والتصرف‏.‏

ونجذ بالذال المعجمة، أي أحكم، يقال‏:‏ رجل منجذٌ، إذا كان قد جرب الأمور، ونجذته الأمور، إذا أحكمته، كما يقال‏:‏ حنكته التجارب‏.‏

والناجذ‏:‏ آخر الأضراس، ويقال له‏:‏ ضرس الحلم‏.‏ ومن ذلك قولهم‏:‏ ضحك حتى بدت نواجذه‏.‏

واجتماع الأشد عبارةٌ عن كمال القوى، وتمام العقل‏.‏

وأنشد بعده

الشاهد السابع والثمانون بعد الخمسمائة

الوافر

غراث الوشح صامتة البرين

لما تقدم قبله، من أنه معرب بالحركة على النون‏.‏

وهو جمع برة بضم الباء، قال في الصحاح‏:‏ كل حلقةٍ من سوار وقرط، وخلخال، وما أشبهها برة‏.‏

قال‏:‏ الوافر

وقعقعن الخلاخل والبرينا

والبرة أيضاً‏:‏ حلقة من صفر تجعل في لحم أنف البعير‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ تجعل في أحد جانبي المنخرين‏.‏ قال‏:‏ وربما كانت البرة من شعر، فهي الخزامة‏.‏

قال أبو علي‏:‏ أصل البرة بروة، لأنها جمعت على برًى مثل قرية وقرًى، ويجمع براتٍ وبرين‏.‏ انتهى‏.‏

والصواب أن أصلها بروة بضم الباء لا بفتحها، نحو‏:‏ غرفة وغرف، وخصلةٍ وخصل‏.‏

وهذا المصراع عجزٌ، وصدره‏:‏

حسان مواضع النقب الأعالي

وقد أورده أبو علي في كتاب الشعر مع أبياتٍ أخر على طرز البرين، من قصيدة هذا البيت وغيرها، ثم قال‏:‏ وقد ذكر هذا الضرب من الجمع، حتى لو جعل قياساً مستمراً كان مذهباً‏.‏ انتهى‏.‏

والبيت من قصيدة للطرماح، عدتها سبعون بيتاً، كلها غزلٌ ونسيب‏.‏

وقبله‏:‏

ظعائن كنت أعهدهن قدم *** وهن لدى الأمانة غير خون

وبعده‏:‏

طوالٌ مثل أعناق الهوادي *** نواعم بين أبكار وعون

والظعائن‏:‏ جميع ظعينة، وهي المرأة ما دامت في الهودج‏.‏ والعهد‏:‏ الحفظ بالبال‏.‏ وقدماً بكسر القاف وسكون الدال، قال في الصحاح‏:‏ يقال قدماً كان كذا وكذا، وهو اسم من القدم جعل اسماً من أسماء الزمان‏.‏

وخون‏:‏ جمع خائنة‏.‏ وجملة‏:‏ وهن لدى الأمانة إلخ، حال من مفعول أعهدهن‏.‏

وقوله‏:‏ حسان مواضع إلخ، جمع امرأة حسنة بمعنى حسناء‏.‏ والنقب، بضم ففتح‏:‏ جمع نقبة بسكون الثاني، هو اللون والوجه‏.‏ كذا في الصحاح‏.‏

وأراد بالأعالي ما يظهر للشمس من الوجه والعنق وأطرافه فإنها مع ظهورها للشمس والهواء والحر والبرد، إذ كانت في غاية الحسن والصفاء ونهاية اللطف، فغيرها يكون أحسن‏.‏

وغراث‏:‏ جمع غرثان، بمعنى الجوعان، وأراد لازمه وهو الهزيل، اللازم من الجوع‏.‏

والوشح بالضم‏:‏ جمع وشاح بالكسر والضم، وهو شيءٌ ينسج عريضاً من أديم ويرصع بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها‏.‏

قال في الصحاح‏:‏ وامرأة غرثى الوشاح، أي‏:‏ دقيقة الخصر لا يملأ وشاحها، فكأنه غرثان‏.‏

وصامته، أي‏:‏ ساكتة‏.‏ وسكوت البرة كناية عن امتلاء ساقيها لحماً، بحيث لا يتحرك ليسمع له صوت‏.‏ والبرة هنا‏:‏ الخلخال‏.‏

وقوله‏:‏ طوال مثل إلخ، هو جمع طويل وطويلة‏.‏

والمثل‏:‏ الشبه‏.‏ أراد تشبيه أعناقهن بأعناق الظباء‏.‏

ورواه المولى خسرو في حاشيته على البيضاوي بفتح الميم والشين المعجمة وتشديد اللام، على إضافة طوال إليه‏.‏ قال‏:‏ والمشل‏:‏ مفعل من شللت الثوب، أي‏:‏ خطته، والمراد به ما يستر الأعناق‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وتبعه خضرٌ الموصلي في شرح شواهد التفسيرين، ولا يخفى أن هذا تعسفٌ من تصحيف‏.‏

والهوادي‏:‏ الظباء وبقر الوحش المتقدمة‏.‏ والنواعم‏:‏ جمع ناعمة، وهي اللينة في اللمس‏.‏

والعون‏:‏ جمع عوان، قال الجوهري‏:‏ العوان‏:‏ النصف في سنها من كل شيءٍ، أي‏:‏ المتوسطة‏.‏

وقد أورد هذا البيت في التفسيرين شاهداً على أن العوان في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏عوانٌ بين ذلك‏}‏ بمعنى النصف بين الحديثة والمسنة‏.‏

قال خضرٌ الموصلي‏:‏ وتوقف بعضهم في الاستشهاد، لأن بين يوصف بها الوسط، وتضاف إلى متعددٍ، هما الطرفان لذلك الوسط‏.‏

وفي البيت الموصوف ببين هو النواعم، والمتعدد الذي أضيفت هي إليه الأبكار والعون فلزم أن يكون طرفاً، والنواعم وسطاً، فلم يدل على أن العوان النصف، بل على ضده وهو الطرف‏.‏

وأجاب عنه بعض الفضلاء بأن بين هنا مستعملةٌ للتنويع، كما يقال‏:‏ مركوب فلانٍ ما بين البغل والفرس، أي‏:‏ مركوبه نوعان‏:‏ بغل وفرسٍ، فيكون المعنى أن الممدوحات نواعم بعضها أبكارٌ وبعضها عونٌ‏.‏ ولا شك أنها هي المتوسطات في السن، وأما الصغار اللاتي في سن الطفولية فلا يميل الطبع إليهن، وكذا المسنات‏.‏ فالتوسط معلومٌ من المقام‏.‏

أقول‏:‏ إنما يتم الجواب أن لو استعمل بين التي للتنويع بغير ما، والاستعمال يشهد أنه لا بد منها، فيقال‏:‏ مركوب فلان ما بين بغل وفرس، وثيابه ما بين خز وحرير، ولا يقال بين، كما صرح به النحاس‏.‏ انتهى‏.‏

والطرماح هو الطرماح بن حكيم الطائي، شاعر إسلامي في الدولة المروانية، ومولده ومنشؤه بالشام، ثم انتقل إلى الكوفة مع من وردها من جيوش أهل الشام، فاعتقد مذهب الشراة الأزارقة، وذلك إنه لما قدمها نزل على تيم اللات بن ثعلبة، وفيهم شيخٌ من الشراة له سمةٌ وهيئة، فكان يجالسه ويسمع منه، فدعاه إلى مذهبه فقبله منه، واعتقده أشد اعتقادٍ حتى مات عليه‏.‏

قال ابن قتيبة‏:‏ كان الكميت بن زيد صديقاً للطرماح لا يتفارقان في حال من الأحوال، فقيل للكميت‏:‏ لا شيء أعجب من صفاء ما بينكما على تباعد ما بينكما من النسب والمذهب والبلاد، وهو شاميٌّ قحطانيٌّ خارجي، وأنت كوفي نزاري شيعي، فكيف اتفقتما مع تباين المذهب وشدة العصبية‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ اتفقنا على بغض العامة‏.‏

والطرماح بكسر الطاء والراء المهملتين وتشديد الميم، وآخره حاءٌ مهملة ووزنه فعمال، فالميم زائدة‏.‏

ولم نذكر بقية نسبه لأن في ألفاظها غرابة وغموضاً، يحتاج إلى ضبط يطول به الكلام، ولا فائدة فيه‏.‏

والشراة‏:‏ بضم الشين‏:‏ الخوارج، الواحد شارٍ، كقضاة جمع قاض‏.‏

سموا بذلك لقولهم‏:‏ إنا شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي‏:‏ بعناها بالجنة، حين فارقنا الأئمة الجائرة‏.‏ يقال‏:‏ منه تشرى الرجل‏.‏ كذا في الصحاح‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثامن والثمانون بعد الخمسمائة

الوافر

وأن لنا أبا حسنٍ علي *** أبٌ برٌّ ونحن له بنين

لما تقدم قبله، فإنه رفع بنين بالضمة على النون مع لزوم الياء‏.‏

وأورده ابن عصفور في كتاب الضرائر، وقال‏:‏ إنه ضرورةٌ لا يحفظ إلا في الشعر‏.‏

وجعله خطأ أبو العباس المبرد في كتاب الروضة، وخطأ قول أبي نواس‏:‏ الطويل

شمولٌ تخطاها المنون فقد أتت *** سنينٌ لها في دنها وسنين

ولحنه في قوله بعد هذا‏:‏ تخيرها بعد البنين بنون لأنه جمع في الكلمة إعرابين‏:‏ إعراباً بالحرف، وإعراباً بالحركة‏.‏ وهو غير مسموع في كلام العرب‏.‏

وتقدم الكلام على مثله قريباً، وهو قوله‏:‏

ذراني من نجدٍ فإن سنينه ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

وقوله‏:‏ وأن لنا بفتح الهمزة، لأنه معطوف على قوله‏:‏

بأنا لا نزال لكم عدوا

في بيت قبله كما سيأتي‏.‏

ورواه ابن عقيل وابن هشام في شرح الألفية‏:‏

وكان لنا أبو حسنٍ عليٌّ *** أباً براً ونحن له بنين

ولنا كان في الأصل نعتاً لقوله‏:‏ أب، فلما قدم عليه صار حالاً منه‏.‏ ونحن‏:‏ مبتدأ، وبنين‏:‏ خبره، وصفته محذوفة بدليل ما قبله، والتقدير‏:‏ ونحن له بنين أبرار، ولولا هذا التقدير لخلا الحمل من فائدة‏.‏ وروى أيضاً‏:‏

ألم تر أن والينا علياً أبٌ بر ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏إلخ

والوالي من ولي الأمر يليه ولاية، بكسر اللام فيهما وكسر الواو، والبر بالفتح، قال صاحب المصباح‏:‏ بر الرجل يبر براً، وزان علم يعلم علماً فهو بر بالفتح، وبارٌّ أيضاً، أي‏:‏ صادق وتقيٌّ، وهو خلاف الفاجر، وجمع الأول أبرار، وجمع الثاني بررة، مثل كافر وكفرة‏.‏

وبررت والدي أبره براً وبروراً‏:‏ أحسنت الطاعة إليه، ورفقت به، وتحريت محابه وتوقيت مكارهه‏.‏ وبر الحج واليمين والقول براً أيضاً، فهو برٌّ وبارٌّ أيضاً‏.‏ ويستعمل متعدياً أيضاً بنفسه في الحج، وبالحرف في اليمين والقول، فيقال‏:‏ بر الله الحج يبره بروراً، أي‏:‏ قبله‏.‏

وبررت في القول واليمين أبر فيهما بروراً أيضاً، إذا صدقت فيهما، فأنا برٌّ وبارٌّ‏.‏ وفي لغة يتعدى بالهمزة، فيقال‏:‏ أبر الله الحج، وأبررت القول واليمين‏.‏ والبر، بالكسر‏:‏ الخير والفضل، والمبرة مثله‏.‏ انتهى‏.‏

والبيت من أبيات لسعيد بن قيس الهمداني، قالها في أحد أيام صفين، وذلك أن معاوية دعا أهل الشام، فقال‏:‏ إن علياً يخرج في سرعان الخيل فمن ينتدب له‏؟‏ فقام عبد الرحمن بن خالد، فقال‏:‏ أنا له‏.‏

فقال له معاوية‏:‏ اقعد فلم أعهدك خفيفاً‏.‏ فقال عبد الرحمن العكي‏:‏ أنا له‏.‏ فقال له معاوية‏:‏ أنت له لولا عجلتك في الحرب‏.‏ فقال عمرو بن الحصين السكوني‏:‏ أنا له‏.‏ فقال‏:‏ أنت له حقاً‏!‏

فخرج في عك والصدف، وخرج عليٌّ رضي الله عنه كعادته، فترقبه السكوني وحمل عليه من خلفه، فلما كاد أن يطعنه اعترضه سعيد بن قيسٍ الهمداني فطعنه طعنة قصم بها صلبه، فالتفت علي رضي الله عنه فرأى السكوني صريعاً‏.‏ ثم قتل سعيد بن قيس رجلاً من ذي رعين، فجزع عليهما معاوية جزعاً شديداً، فقال سعيد بن قيس هذه الأبيات‏:‏ الوافر

لقد فجعت بفارسها رعينٌ *** كما فجعت بفارسها السكون

غداة أتى أبا حسنٍ علي *** وأم النقع مشبلةٌ طحون

ليطعنه فقلت له خذنه *** مسومةً يخف لها القطين

أقول له ورمحي في صلاه *** وقد قرت بمصرعه العيون

ألا يا عمرو عمرو بني حصين *** وكل فتًى ستدركه المنون

أترجو أن تنال إمام صدقٍ *** أبا حسنٍ وذا ما لا يكون

لقد بكت السكون عليك حتى *** وهت منها النواظر والجفون

ألا أبلغ معاوية بن حربٍ *** ورجم الغيب يكشفه اليقين

بأنا لا نزال لكم عدو *** طوال الدهر ما سمع الحنين

ألم تر أن والينا علي *** أبٌ برٌّ ونحن له بنين

وأنا لا نريد سواه يوم *** وذاك الرشد والحق المبين

وأن له العراق وكل كبشٍ *** حديد القرن ترهبه القرون

والعكي‏:‏ نسبة إلى عكٍّ بفتح المهملة‏:‏ وقبيلة من اليمن، وهو عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد‏.‏

والسكوني‏:‏ نسبة إلى السكون، بفتح السين المهملة، أبو قبيلة عظيمة من اليمن، وهو السكون بن أشرس بن ثور‏.‏ ويقال‏:‏ لثور‏:‏ كندة، وإليه ينتسب امرؤ القيس‏.‏

والصدف، بفتح المهملة وكسر الدال‏:‏ بطنٌ من كندة ينسبون اليوم إلى حضرموت‏.‏ وإذا نسبت إليه، فقلت‏:‏ صدفيٌّ، فتحت الدال‏.‏

وهمدان، بسكون الميم‏:‏ أبو قبيلة عظيمة باليمن‏.‏

وذو رعين بالتصغير‏:‏ بطن من حمير، وهو ذو رعين بن سهل بن زيد‏.‏ كذا في الجمهرة‏.‏ وقد تجوز الشاعر في حذف ذي منه‏.‏

وفجعت في الموضعين بالبناء للمفعول، من فجعه، في ماله وأهله، أي‏:‏ أصابه بالرزية، والفجيعة‏:‏ الرزية، وفعله من باب نفع‏.‏ وأم النقع أراد بها الحرب‏.‏ والنقع، بالنون والقاف‏:‏ الغبار‏.‏

ومشبلة‏:‏ اسم فاعل من أشبل عليه، أي‏:‏ عطف‏.‏ وأشبلت المرأة بعد بعلها‏:‏ صبرت على أولادها فلم تتزوج‏.‏ ولبوةٌ مشبلٌ، إذا مشى معها أولادها‏.‏ والشبل بالكسر‏:‏ ولد الأسد‏.‏

وطحون‏:‏ مبالغة طاحنة، أي‏:‏ مهلكة‏.‏ والضمير في خذنها راجعٌ إلى الطعنة المفهومة من قوله ليطعنه‏.‏ والمسومة‏:‏ المرسلة، من قولهم‏:‏ سوم فيها الخيل إذا أرسلها‏.‏ ومنه السائمة‏.‏ ويخف‏:‏ يرحل ويسافر‏.‏ والقطين‏:‏ جمع قاطن، وهو المقيم‏.‏

والصلا، بفتح الصاد والقصر، العجز، وفي الأصل هو مغرس الذنب من الفرس، ومنه، قيل‏:‏ أخذت الصلاة‏.‏ والمصرع‏:‏ المهلك‏.‏ ووهت‏:‏ ضعفت‏.‏

وقوله‏:‏ رجماً بالغيب، أي‏:‏ ظناً من غير دليل ولا برهان‏.‏

وقوله‏:‏ بأنا، متعلق بأبلغ‏.‏ والعدو‏:‏ خلاف الصديق، يقع على الواحد المذكر والمؤنث والمجموع‏.‏

وطوال الدهر، بفتح الطاء، أي‏:‏ طوله‏.‏ والحنين هنا‏:‏ حنين الناقة، وهو صوتها في نزاعها إلى ولدها‏.‏

والقرن في الموضعين، بفتح القاف‏.‏ وجملة‏:‏ ترهبه حالية‏.‏

وسعيد بن قيس الهمداني من أصحاب علي رضي الله عنه، ولم أر له ذكراً في كتب الصحابة، وإنما هو تابعي‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ السبيع‏:‏ بطنٌ من همدان‏.‏

ومن السبيع‏:‏ سعيد بن قيس بن زيد بن مرب بن معديكرب بن أسيف بن عمرو بن سبع بن السبيع‏.‏ انتهى‏.‏

وهمدان، بسكون الميم‏:‏ قبيلةٌ عظمية باليمن، وهو لقب، واسمه أوسلة‏.‏

والسبيع، بفتح السين المهملة وكسر الموحدة‏.‏

ومرب، بفتح الميم وكسر الراء المهملة بعدها موحدة‏.‏

ولما لم يقف العيني على ما قبل البيت الشاهد، ولا على ما بعده ظن أن البيت لأحد أولاد علي رضي الله عنه‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الوافر

متى كنا لأمك مقتوينا

على أنه حكي عن أبي عبيدة، وأبي زيد جعل نون مقتوينا محل تعاقب الإعراب بالحركة‏.‏ فالألف هنا بدل من التنوين‏.‏

وهذه عبارة أبي زيد في نوادره‏:‏ رجل مقتوينٌ ورجلان مقتوين، ورجال مقتوينٌ‏.‏ وكذلك المرأة والنساء، وهو الذي يخدم القوم بطعام بطنه‏.‏

وقال عمرو بن كلثوم‏:‏

تهددنا وأوعدنا رويد *** متى كنا لأمك مقتوينا

الواو مفتوحة وبعضهم يكسرها، أي‏:‏ متى كنا خدماً لأمك‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وقد شرحه أبو علي في كتاب الشعر وقال‏:‏ النون حرف الإعراب‏.‏

ونقله عنه وعن أبي عبيدة‏.‏ وضبط الميم بالفتح والضم وتقدم كلامه منقولاً بتمامه في الشاهد الثالث والخمسين بعد الخمسمائة من باب المذكر والمؤنث‏.‏

وقال أبو الحسن الأخفش في شرحه لها‏:‏ هذا القياس وهو مسموع من العرب أيضاً، فتح الواو من مقتوين، فتقول مقتوين، فيكون الواحد مقتوًى، فاعلم، مثل مصطفى فاعلم، ومصطفين إذا جمعت‏.‏

ومن قال مقتوين فكسر الواو فإنه يفرده في الواحد والتثنية والجمع والمؤنث، لأنه عنده مصدر، فيصير بمنزلة قولهم‏:‏ رجل عدلٌ، وفطر وصوم ورضاً وما أشبهه‏.‏

ويقال‏:‏ مقت الرجل، إذا خدم‏.‏ فهذا بين في هذا الحرف‏.‏ انتهى‏.‏

وهذا مبنيٌّ على أن الميم مضمومة، إلا أن قوله مقت الرجل، فجعل الميم أصلية، لا وجه له‏.‏ فتأمل‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد التاسع والثمانون بعد الخمسمائة

وهو من شواهد سيبويه‏:‏ الطويل

إذا ما بنو نعشٍ دنوا فتصوبوا

على أن الأخفش حكى‏:‏ بنو عرس وبنو نعش، اعتباراً للفظ ابن، وإن كان غير عاقل، كما في البيت‏.‏ كأنه جعلها جمعاً لابن نعش، وإن لم يستعمل‏.‏

قال سيبويه‏:‏ وأما كلٌّ في فلكٍ يسبحون ، رأيتهم لي ساجدين ، ويا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ، فزعم الخليل أنه جعلهم بمنزلة من يعقل ويسمع، لما ذكرهم بالسجود، وصار النمل بتلك المنزلة حين حدث عنه ما يحدث عن الأناسي‏.‏

وكذلك في فلكٍ يسبحون ، لأنها جعلت في طاعتها، وفي أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يقول‏:‏ مطرنا بنوء كذا، ولا ينبغي لأحدٍ أن يعبد شيئاً منها، بمنزلة ما يعقل من المخلوقين ويبصر الأمور‏.‏

قال النابغة الجعدي‏:‏

شربت بها والديك يدعو صباحه *** إذا ما بنو نعشٍ دنوا فتصوبوا

فجاز هذا حيث صارت هذه الأشياء عندهم تؤمر وتطيع، وتفهم الكلام، وتعبد بمنزلة الآدميين‏.‏ انتهى‏.‏

قال الأعلم‏:‏ الشاهد في تذكير بنات نعش، لإخباره عنها بالدنو والتصوب كما يخبر عن الآدميين، على ما بينه سيبويه‏.‏

وصف خمراً باكرها بالشرب عند صياح الديك‏.‏ وتصوب بنات نعشٍ‏:‏ دنوها من الأفق للغروب‏.‏

والباء في قوله‏:‏ بها زائدة مؤكدة‏.‏ وكثيراً ما تزيدها العرب في مثل هذا‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏عيناً يشرب بها المقربون‏}‏‏.‏ انتهى‏.‏

أقول‏:‏ الباء في البيت والآية للتبعيض‏.‏

وقال ابن خلف‏:‏ الشاهد أنه جمع ابناً من غير ما يعقل، جمع العقلاء المذكرين، فقال‏:‏ بنو، وكان ينبغي أن يقول‏:‏ بنات نعش، وواحدها ابن نعش‏.‏ لأن ما لا يعقل من المذكر والمؤنث يجمع جمع السلامة والتكسير‏:‏ كحمام وحمامات، وحمل بنو نعش على ما يعقل لما كان دورها على مقدار لا يتغير، فكأنها تقدر ذلك الدور، وتعقله‏.‏ فجاز هذا حيث صارت هذه الأشياء عندهم تؤمر وتطيع وتفهم الكلام، وتعبد بمنزلة الآدميين، وقال‏:‏ دنوا فتصوبوا، وكان ينبغي أن يقال‏:‏ دنون فتصوبن‏.‏ انتهى‏.‏

وقال ابن هشام في المغني‏:‏ والذي جرأه على استعمال الواو في غير العقلاء قوله‏:‏ بنو لا بنات‏.‏

والذي سوغ ذلك أن ما فيه من تغيير نظم الواحد شبهه بجمع التكسير، فسهل مجيئه لغير العاقل‏.‏ ولهذا جاز تأنيث فعله، نحو‏:‏ إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، مع امتناع قامت الزيدون‏.‏ انتهى‏.‏

وبنات نعش من منازل القمر الثمانية والعشرين، قال صاحب الصحاح‏:‏ اتفق سيبويه والفراء على تلك صرف نعشٍ، للمعرفة والتأنيث‏.‏

قال الدماميني في الحاشية الهندية‏:‏ الظاهر أنه جائز لا واجب، لأنه ساكن الوسط‏.‏

وقال صاحب العباب‏:‏ بنات نعش الكبرى‏:‏ سبعة كواكب، أربعة منها نعش، وثلاث بنات‏.‏ وكذلك بنات نعشٍ الصغرى‏.‏

وذكر أبو عمر الزاهد في فائت الجمهرة عن الفراء أنه يقال‏:‏ بنات نعش في ميزان عمر، لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة‏.‏ قال‏:‏ وليس بينهم خلاف، تقول‏:‏ هذه بنات نعشٍ مقبلةً، ومعها بنات نعشٍ أخرى مقبلة‏.‏

وقد جاء في الشعر بنو نعش، وأنشد أبو عبيدة للنابغة الجعدي‏:‏

وصهباء لا تخفي القذى وهي دونه *** تصفق في راووقها ثم تقطب

تمززتها والديك يدعو صباحه *** إذا ما بنو نعشٍ دنوا فتصوبوا

وقال ابن دريد‏:‏ سميت بنات نعش تشبيهاً بحملة النعش في تربيعها‏.‏

وقال الليث‏:‏ يقال للواحد منها ابن نعش، لأن الكواكب مذكرة، فيذكرونه على تذكيره‏.‏

وإذا قالوا‏:‏ ثلاث وأربع ذهبوا إلى مذهب التأنيث، لأن البنين إنما يقال للآدميين‏.‏ وعلى هذا القياس يقولون‏:‏ ابن آوى، وابن عرس، فإذا جمعوا، قالوا‏:‏ بنات آوى، وبنات عرس، قال الخليل‏:‏ هذا شيء لم يسم بالابن لحال الأب والأم كما قيل‏:‏ بنون وبنات‏.‏ وإذا ذكروا ابن لبون، وابن مخاض، قالوا‏:‏ هذا ابن لبون وابن مخاض‏.‏

وإذا ثنوا، قالوا‏:‏ ابنا لبون وابنا مخاض‏.‏ وإذا جمعوا تركوا القياس ولم يقولوا بنون، ولكنهم يقولون بنات مخاض ذكوراً‏.‏ هذا كلام العرب‏.‏

ولو حمله النحوي على القياس فذكر المذكر وأنث المؤنث لكان صواباً‏.‏ وبعضهم يقول‏:‏ لا يجوز لما كان من غير الآدميين أن يقال في جمعه إلا التأنيث، إلا أن يضطر شاعر فيخرجه مخرج الآدميين، إذا حمل على غير الآدميين، على مثال ما يجمعون عليه‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين‏}‏‏.‏ لما فعلوا فعل الآدميين جمعهم كما يجمعون‏.‏ وخاطبهم بما يخاطبون‏.‏ انتهى كلام العباب‏.‏

وقال القالي في المقصور والممدود‏:‏ قال أبو حاتم‏:‏ يقال ابن آوى لهذا السبع، وللاثنين‏:‏ ابنا آوى، وللجمع‏:‏ بنات آوى وإن كن ذكوراً، ولا يصرف آوى‏.‏ ويجمعون كل جماعة من غير الإنس على بنات، كما قالوا‏:‏ بنات نعش لهذه الكواكب، ولم يقولوا‏:‏ بنو نعش، فإن اضطر شاعرٌ قاله مستكرهاً‏.‏

قال الشاعر‏:‏

فباكرتها والديك يدعو صباحه ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

والصواب‏:‏ بنات نعش دنت فتصوبت، ودنون فتصوبن‏.‏ فهذا على الاضطرار‏.‏ وأما ما لا يعرف ذكوره من إناثه فمحمولٌ على اللفظ، يقال للذكر والأنثى ابن عرس وابن قترة لضربٍ من الحيات، وابن دأية غير معروف للغراب‏.‏

فإذا جمعت على هذا النحو، قلت‏:‏ بنات آوى، وبنات عرس، وبنات قترة، وبنات دأية، للذكور والإناث‏.‏ وكل جمع من غير الإنس والجن والشياطين والملائكة، فيقال فيه بنات‏.‏ انتهى‏.‏

والبيتان من قصيدة للنابغة الجعدي أورد أبياتاً منها السيوطي في شرح شواهد المغني‏.‏

وقوله‏:‏ وصهباء إلخ، أي‏:‏ رب صهباء، وهي الخمر‏.‏ لا تخفي‏:‏ لا تستر‏.‏

والقذى‏:‏ ما يقع في الماء والشراب والعين إذا هبت الريح‏.‏ ودون هنا بمعنى قدام‏.‏ يقول‏:‏ إن القذى إذا حصل في أسفل الزجاجة رآه الرائي في الموضع الذي هو فيه، لصفائها‏.‏ والخمر أقرب إلى الرائي من القذى، وهي فيما بين الرائي وبين القذى، يريد أنها يرى ما وراءها لصفائها‏.‏

وتصفق‏:‏ بالبناء للمفعول‏.‏ والتصفيق‏:‏ إدارتها من إناءٍ إلى إناءٍ لتصفو‏.‏

والراووق‏:‏ المصفاة‏.‏ وتقطب‏:‏ تمزج‏.‏

وقوله‏:‏ شربت بها إلخ، روى أيضاً‏:‏ تمززتها والديك‏.‏ والتمزز‏:‏ تمصص الشراب قليلاً قليلا‏.‏ ومزه يمزه، أي‏:‏ مصه‏.‏

وقوله‏:‏ يدعو صباحه، أي‏:‏ في وقت صباحه‏.‏

قال ابن رشيق في باب السرقات الشعرية من العمدة‏.‏

قد اجتلب الفرزدق هذا البيت واستلحقه بشعره، فقال‏:‏ الطويل

وإجانةٍ ريا السرور كأنه *** إذا غمست فيها الزجاجة كوكب

تمززتها والديك يدعو صباحه ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

والنابغة الجعدي شاعر صحابي تقدمت ترجمته في الشاهد السادس والثمانين بعد المائة‏.‏